جني شاف ذيب
هذا مثل يضرب للمتحير الذي لا يستطيع التصرف من الخوف والحيرة ..
وهو مبني على أسطورة وخرافة أوردتها كتب الأمثال .. فقد قال الأستاذ
عبدالكريم الجهيمان
(الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب 162/6) :
يقال إن الجني إذا تقمص شكل أحد الحيوانات ثم رآه الذئب لم يستطع أن يعود إلى أصله
فيختفي عن الذئب .. وإنما يبقى كما هو , فإن كان قد تقمص شكل شاة بقي في شكل شاة
وإن كان قد تقمص شكل غزال بقي غزالا , فيعدو إليه الذئب فيأكله . كما أنه يقال
والله أعلم بصحة ما يقال : إن الذئب إذا بقي سبعة أيام دون أن يجد شيئا يأكله , أخرج الله له
جنِّيًّا في شكل أحد الحيوانات فيأكله .
وقال
العبودي (الأمثال العامية في نجد 364/1) :
يقولون : إن الجنّي لا يطيق الصبر على الذئب , وإن الذئب مسلّط على الجني , فهو يطلبه
إذا خالط جسم حيوان كثيف ويأكله , وأن الجني لا يستطيع مفارقة ذلك الجسد إذا رأى الذئب
ولذلك يعتقدون أن المرء إذا أكل شيئا من لحم الذئب ذهب عنه ذلك الخوف .
وهذا كان في نجد إبان الجهل , وتسلط الخرافات والأوهام على الأفكار
وقال
خالد الفرج (ديوان النبط 110/1) في شرح قول
ابن لعبون يصف سرعة الإبل :
مثل النعام بخبّة الخال مرعوب=إن زرفلن والحال مثل اليعاسيب
مع صحصحٍ كنّه قفا الترس مقلوب=طرْبٍ به الجنّي على فقده الذيب
قال : الخب والزرفال نوعان من المشي السريع . الحال : هيئة البدن ..
شبّههن بيعاسيب النحل لضمورهن
الصحصح الأرض المستوية . والذئب لا يألف إلا الأراضي الشجراء ,
أو غير المعتدلة ليختل فريستهوفي اعتقادهم أن الجني لا يستطيع الاختفاء
عن عين الذئب , وأن الذئاب تفرس الجن ..
ويقال المثل بعدة صيغ , وقد أورده
الجهيمان إبالصيغ التالية :
(
كنه جني شايفٍ ذيب) 162/6 , و(
مثل الجنّي إلى شاف الذيب) 294/7 ,
و(
تقل جني شاف ذيب) 84/10 .. والصيغة التي عنونّا بها الموضوع , هي الصيغة
التي أوردها
العبودي , واخترناها لاختصارها ..
قال
محمد العبدالله القاضي :
أرى قلبي إلى مرخي خداره=كما الجنّي إلى ما شاف ذيبه
وهو يريد أن يصف حالة الاضطراب وخفقان القلب الذي ينتابه عندما يرى محبوبه
فوصفه بأنه كحال الجني عندما يشاهد الذئب !
وقال
ناصر بن حميدان الزغيبي , يذكر جملا قويا :
أشقر حمَر كنّ الإفرنجي تلظّيه=أحسن شخّص ما كان لونه حسيني
تمت مواصيفه على شفّ راعيه=هجهوج قطّاع الفيافي سميني
يجفل إلى شاف السفيفة تباريه=(جنّي وذيب) وطار عنه اليقيني
قال
العبودي في شرح هذه الأبيات :
حمّر : أحمر . والفرنجي : الجنيه الذهبي . تلظّيه : أي أن لونه يتلظى من شدة حمرته ولونه .
حسين : حسن . مواصيفه : أوصافه . شف راعيه : هوى صاحبه . هجهوج : سريع العدو .
يجفل : يفزع . السفيفة : ما يتدلّى من الرَّحل من زينة , أي كأنه الجني مع الذئب
إذا أجفل وطار عنه اليقين أي الاطمئنان , وهذا كناية عن سرعة السير .
وذكر
العبودي (الأمثال العامية في نجد 365 ـ 366/1) مثلين آخرين , ورد فيهما ذكر الجني , هما :
(
جنّي بدو) .. وقال في تفسيره : يُضرب لمن يمكن صرفه والتخلص منه بسهولة , وذلك لأنهم يقولون :
إن الجني إذا مس البدوي , فإن القليل من معالجته بالقراءة والأذكار يكفي لصرفه !
وقد سمعت ـ والكلام
للعبودي ـ من بعض أهل العلم تعليلا لذلك , وهو أن أهل البدو بحكم بُعدهم عن
مواطن الذكر , وسماع الآيات والعظات يكفيهم ما يسمعون منها للتأثر ولو كان قليلا , بخلاف
أهل الحضر الذين ألفوا سماع المواعظ والذكر حتى أصبحت لا تكاد تؤثر في بعضهم !
قال
روح التميمي : وهذا المثل من الأمثال التي لا تخلو من عنصرية تقدم صورا نمطية عن البادية
ولا عجب فحياة الجوع والسلب والنهب والجهل المطبق التي مرت بها نجد في جاهليتها المتأخرة ,
ولّدت تنافرا شديدا بين الحاضرة والبادية , وكانت الأمثال والعبارات العنصرية تصدر
من كل طرف تجاه الطرف الآخر .. وأظن أن هذا موضوع آخر جدير بالبحث .
أما التعليل الذي سمعه ا
لعبودي , فزيادة على سطحيته وسطحية معتقِدِه .. لا يخلو من سوء ظن بالدين
فكأنه يقول : إن المواعظ لا تُوثّر إلا في السذَّج . وفيه مغالطة علمية كذلك , وهي أن القراءة
لا تكون للتأثير على الإنسان الذي تلبسته الجن , بل على الجنّي الذي تلبّسه ..!
أما المثل الثاني فهو (
الجنّي وابن شمس) .. قال
العبودي : ابن شمس رجل يقولون إنه كان مشهورا
بمعالجة من خالط جسمه جنّي , فكان الجني ينفر من ثوبه , ولا يطيق أن يبقى فيمن يرقبه
يُضرب للمتنافرين ..