شـاعر المقنـاص
أحمد العبدالله الهندي
أحمد العبدالله الهندي . . من شعراء عنيزة الشباب , فوجئت ذات يوم من العام الماضي
بقصيدة له نشرها أحد الزملاء, وكتبت حينها تعليقا احتفائيا بالشاعر والقصيدة
وذكرت أنني فوجئت بأن أحمد الهندي من شعراء عنيزة ويملك هذه الموهبة
والتمكن من زمام الشعر بتقنيات أصيلة .. ولا أعرفه , وطلبت من زميلي ناشر القصيدة
أن يعرفنا به أكثر , فاستجاب ونشر قصيدتين أخريين , وزاد إعجابي به
ثم طلبت منه أن يوافيني بشيء من شعره الذي لم يُنشر فوعد , ثم ساحت بنا مشاغل الحياة
ونسيت الأمر , لكنني لم أنس أحمد الهندي .. وفي أيام العيد الماضية سألت عنه صديق الشعراء
وصديقي صلاح البسام فقال كل ما تريده عنه عندي , وبعد ليلتين , وبالتحديد ليلة افتتاح ديوانية
المحاورة , قابلته فوجدته مختلفا جدا عن كل انطباع تولد لدي عن شخصيته ..
فقد وجدته مرحا جدا , لطيفا جدا , يكاد يذوب رقة وحياء واحتراما .. تراه فتقول في نفسك :
هذا إنسان لا يعرف الهموم , يعيش حياته , ويقابل المتاعب بالابتسامة والنكتة ..
يأسر لب محدثه بتواضعه وروحه المتطايرة مرحا .. المرح في تكوينه
صفة ثابتة في جيناته ـ أدام الله عليه المرح والسرور ـ تحدثنا ساعة
أو ساعتين .. ثم خرجت من هذا اللقاء بانطباع لذيذ رسم على شفتيّ
ابتسامة عريضة بعينين شاردتين في صورته التي لم تنمحِ بعد من الخيال
أما شعره .. فمتفرد في الخصائص والسمات بين شعراء عنيزة , ومعظمه
في المقناص والرحلات , وله قصائد إخوانية .. وأستطيع أن أقول عنه وبكل
وضوح إنه شاعر الصحراء .. فهو برّي الهوى والمشاعر , خياله يحلق بين
السهل والجبل , ويتنقل بين الشيح والقيصوم , وعيناه لا ترى سوى الحبارى
والصيد , وروحه في صديق ينادمه ويبادله عشق حياة الصحراء وهواية القنص ,
وفي صقر مبرقع يقف بشموخ وفي حالة (Stand By) على وكره .. وسيارة
معدّة لخوض وعر الطرق والدروب ..
وأحمد في الشعر ذو نفس طويل في القصيد , ومفردته غريبة
لا تخلو من وعورة أحيانا , ولعل طبيعة الموضوع الذي يعبر عنه تقوده إلى ذلك
والغريب أني وجدت له (مما زوّدني به صلاح) مقطوعة غزلية من خمسة أبيات
تكاد تسيل رقة وعذوبة .. وجدتها بين القصائد كأنها وردة جورية في كثيب
لا تجد فيه إلا غضاة وربلة وعنصلا ..! فقلت في نفسي عندما طالعتها :
يخرج الحي من الميت ! وهذا دليل على أن أحمد قادر على تفتيت قلوب المشاعر
بتفتيق حروف الشعر , قادر على إذابة المعاني في طاقة زهر عطرية ..
لكنه يجنح إلى الجبل والصخر ويترك الغدير والزهر .. يقول فيها :
هيه ياللي في غيابك مظميٍ زرع الشجن=من قطعت أوصال قلبٍ انقطع معك الخيال
من قطعته ذاب جوفي والمعاليق حرجن=من وهج حمو المجافى ذاب غصن الاحتمال
من سبب صدّك ضلوعي دوّرنّك وهْرِجَنْ=اسمع اللي قال الأيمن يسأل الضلع الشمال
يسأله عن زرع جوفٍ توّ حبه ما دجن=وش حصل له من جفاك .. وكيف ذاك الزرع مال
كيف جالك قلب تظما من معاليقٍ رِجن=غيث وصلك وأنت تقطع كل سبْل الاتصال!