عودة الغائب
قصيدة : د/ عبد الله بن صالح العثيمين من ديوانه[ عودة الغائب ] 
كتب هذه القصيدة بعد عودته من دراسته في " اسكتلندا " إلى بلدته عنيزة سنة 1972م 
طربت..ماذا على المشتاق إن طربا = لما دنت لحظات نحوهن صبـا 
أرستْ على مدرج الأمجاد طائرتي =وموعدي مع أحلامي قد اقتربا 
حيث التي أسرت قلبي تعانقـني =وتمسح الهمّ عن عينيّ والتّـعبـا 
كم قد مكثت بعيدا عن مفاتنهـا = أغالب السّهد في "سْكتلند"مغتربا 
وكم بعثت أناشيدي لأخبرهـا = أني على العهد طال الوقت أم قربا 
لواعج الشوق كم كانت تؤرّقني = وكامن الوجد كم أذكى دمي لهبا 
من كان مثلي بالفيحا تعلّـقـه = فلا غرابة إن عانى ولاعـجـبا 
أحلى العرائس مامن عاشق لمحت = عيناه فتنتها إلا لهـا خطـبا 
تنام مابين جـالٍ كلّـه شمـم = وبين كثبـان رملٍ كلّهنّ إبـا 
وإن تأمّـلت أزيـاءً تتيـه بهـا = رأيت من بينها البرحيّ والعنـبـا 
حبيتي أنت يا فيـحـاء ملهـمتي = ماخـطّـه قلمي شعراً ، وما كتبا 
رجعتُ من غربتي كي أستريح على = ربـاً لدى قلبي المضنى أعـزّ ربا 
مابينهنّ عرفت الأنس في صـغـري = وفوقهـنّ عرفت اللّـهـو واللعبا 
هـنا سمـعت أهازيـجـاً مرتّـلةً= وعشت أيّـام أشواقٍ وعهد صبا 
هـنا سـجلاّت تاريخٍ تحدّثـني = بما يطيب عن الماضي الذي ذهـبا 
تعيد لي صورة " الهـفّوف " كامـلةً = الناس ، والشارع المسقوف ، والعتبا (1) 
ومُـتعَـبا قصد " المشراق " في دعـةٍ = وظامئاً من " سبيلٍ " عُلّـقتْ شربا (2) 
وصـورتي كلّ يومٍ حـاملاً بيدي=إلى العزيزيّـة الكرّاس والكـتـبـا 
ومعهداً كان لي فيـه سـنـا أمـلٍ = وإخوةٍ جمعـوا الأخلاق والأدبـا 
غابوا ، كما غبتُ ، عن أركان مسرحه = ومزّقتـهم ظروفٌ دبّـرت إربا 
فـواحدٌ ضـاع في أعماق وحدتـه= وآخـر عن قوافي شعـره رغـبا 
وثـالث حـزّ في نـفـسي تغيّـبه = وإن يكن لذرا الأمجـاد قد طلبـا 
مازلت مثـل كثـيرٍ من أحبّـتـه = ليـوم عـودتـه المـأمـول مرتقبا 
حبـيـبتي أنـت يافيحـاء معذرةً =أن جاء وصفي لـما في النّفس مقتضبا 
فمـا وُهِـبتُ خـيالاً في تـدفّـقـه = يطـوي المسافـات حتى يبلغ الشـهبا 
ولاوُهِـبتُ يـراعـاً من شمــائـله = أن يستجيب لقلـبي كلّـما طـلـبـا 
في مهـجـتي الودُّ أصـفـاه وأعذبه=لسحر عينيك ضاق النطق أم رحـبا 
-------------------------------------------------------- 
(1) الهفّوف .. بتشديد الفاء الأولى ,  من أحياء عنيزة كانت تقيم فيه أسرة الشاعر . 
(2) السبيل .. قربة مملوءة ماء تعلق في الشارع ليشرب منها الظامؤون.